Sunday, 19 October 2014

مستقبل الإصلاح السياسي في عمان - مقالة نشرت على موقع منبر الحرية

مقالة نشرت على موقع منبر الحرية
http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/8335

يمتلك التاريخ العماني رصيدا زاهرا من حركات النضال والتحرر والتي كانت تطالب على الدوام بحرية الشعب والديمقراطية وإيجاد صيغة توافقية لحكم الشعب، وقد تعددت أشكال هذه الحركات متنوعة بين حركات إسلامية وحركات يسارية وحركات ثورية وأحزاب سياسية معارضة خارج البلد ولكن جميعها كان يهدف نوعا ما إلى تغيير النظام السلطاني.
 وعندما نبحث عن الأسباب والتي دفعت العديد من الأفراد العمانيين إلى معارضة النظام السلطاني والعمل لمحاولة تغيير شكل النظام، فان هناك عدة عوامل كامنة وراء هذه الأسباب، فهناك عوامل اجتماعية وعوامل اقتصادية وعوامل سياسية وربما من منظور أكثر عمقا هي مسالة الحقوق والحريات.
وقد ظهر جليا في الأحداث التي شهدتها عمان في 2011 وما بعدها من حراك شبابي واعتصامات عامة وإضرابات فئوية ونشاط واسع في مواقع التواصل الاجتماعي أن الرغبة واضحة أيضا لدى الأجيال الحالية في انتزاع حقوقهم وبناء نظام ديمقراطي يضمن الحريات عبر دولة مدنية حديثة.
العوامل الاجتماعية:
إن المحرك للتاريخ الإنساني هو العوامل الاجتماعية عبر روابط تربط بين الفرد والجماعة ودائما فان أبطال التاريخ هم أفراد يضحون من أجل قضايا، والعامل الاجتماعي هو أهم عامل يحرك الأفراد للتضحية من اجل قضاياهم.
يعتقد الكثيرون أن المجتمع العماني يعيش برفاهية بفضل موارده الطبيعية (نفط وغاز) وعدد سكانه الصغير (أكثر من 2.2 مليون نسمة تقريبا) ومساحته (309 ألف كيلومتر مربع) ولكن الواقع ليس بذلك فهناك عدد كبير من العوائل ممن هم يكتفون بوجبة واحدة في اليوم، وهناك أيضا عامل اجتماعي مهم وهو سطوة القبيلة والطبقية رغم محاربة القانون الجديد لها ولكنها واضحة في الامتيازات الحكومية وتوزيع المناصب، فإذا كنت من قبيلة معروفة وكبيرة فحظوظك أفضل وسهلة.
ومن العوامل الاجتماعية المهمة أيضا هي طبيعة العادات والتقاليد العمانية والتي تحتاج إلى دراسة معمقة، فهي في الغالب مقيدة لحرية الفرد وتمنعه من حقه في التعبير وإبداء الرأي بحجة الطاعة وعدم مخالفة الكبار والباحث في الموضوع يجد أن هناك خلطا للمفاهيم، فكثير من المجالس يعتبروا أن إبداء الرأي من فرد من قبيلة ضعيفة أو لصغر سنه يعتبر هو من باب قلة الأدب وعدم الاحترام ويجب عليك الطاعة ولو كان الرأي خاطئا وعدم مناقشة الموضوع بتاتا.
ورغم اتجاه الحكومة المتأخر لاحتواء العدد الهائل من العاطلين عن العمل (أكثر من 153 ألف عاطل حسب إحصاء رسمي) بعد الاعتصامات الشعبية في فبراير 2011 عبر توظيف عدد منهم في الجهات العسكرية والأمنية وخصوصا قوات مكافحة الشغب، إلا أن المشكلة لم تحل نهائيا فما زال هناك عدد لم يحصل على فرصته وأيضا لا ننسى أعداد الأفراد الخريجين من التعليم العام أو الجامعة سنويا في غياب إستراتيجية واضحة اقتصادية واجتماعية قد تساهم في حل هذه المشكلة المؤثرة. والبطالة مرتبطة أساسا بعدم توفر فرص عمل والذي بالإمكان توفيرها عبر تحرير السوق وتسهيل الإجراءات التجارية وعمليات خصخصة مدروسة وتوفير أرضية اقتصادية تسهل عملية التبادل بكل حرية.
وكما أن التعليم لم يساهم إلى الآن في تطور البلاد وما زالت مخرجاته على حسب المؤشر الدولي أقل من المتوسطة، حيث ينتظر من التعليم أن يساهم في صناعة حضارة وأن تتمكن مخرجاته من المساهمة الفعلية في التنمية وتقليل الاعتماد على النفط، ورغم وجود خطة لإنشاء الجامعة الثانية في البلاد والتي من المقرر افتتاحها في عام 2020 فإننا ما نزال تحت رحمة جامعة واحدة وللأسف فان مركزها الدولي يعتبر ضعيفا حيث صنفتها منظمة كيو أس بين 500 إلى 550 عالميا رغم ميزانيتها الهائلة وهذا طبيعي لعدم استقلالها عن الحكومة وعدم وجود كفاءات دولية وغياب الدعم للأبحاث ووجود إدارة مترهلة.
وقد شهد القطاع الصحي مطالبات عديدة من المنتسبين إليه ومن المواطنين لتردي جودة الخدمة الصحية وعدم وجود رقابة وقانون محاسب للأخطاء الطبية ولذلك يلجأ الغالبية من العمانيين إلى الاقتراض من البنوك للسفر للخارج (غالبا تايلند) لتلقي العلاج.
وجميع هذه العوامل الاجتماعية عززت من السخط الشعبي وأدت إلى ظهور رغبات في تغيير نمط الحكم وشكل الحكم القائم على الفرد الواحد في ظل استجابة بطيئة وضعيفة للمطالبات بتحسين ظروف المعيشة.
العوامل الاقتصادية:
إذا تحدثنا هنا عن دخل الفرد السنوي فسنجد أنه كان لمدة طويلة جدا يعتبر ضعيفا مقارنة مع حجم الموارد الطبيعية والناتج المحلي وهذا لعدة أسباب منها قضية الاحتكار حيث من المعروف في عمان أن هناك فقط عشرة عائلات ممن يستحوذون على 90% من حجم التجارة في البلاد وهذا يرجع لقربهم من الحاكم، والقضية الأخرى هي أن الحكومة دأبت على إعطاء امتيازات خاصة لكل العاملين في الديوان وتوابعه والمكتب السلطاني والاستخبارات وهذا ما أدى إلى ظهور نوع من الطبقية والرغبة لدى العموم البسطاء الحالمين بحياة كريمة في العمل لخدمة السلطان عن طريق هذه الجهات.
والدولة الريعية تحظى دائما بحسن التقديم من طرف المدافعين عنها، ممن يجدون فيها مصالحهم الخاصة والشخصية فهذا يمكنهم من الحصول على كل ما يرغبون فيه دون أن يبذلوا أي جهد إبداعي فقط خدمة الحاكم وحماية نظامه حتى لو كان استبداديا.
ورغم صدور قانون الرقابة المالية في عام 2011 إلا أنه لم يتمكن من مكافحة الفساد فعليا في ظل غياب إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد والذي يتمثل في الرشاوي لتقديم المناقصات والواسطة في التوظيف والرشاوي أو تبادل الخدمة لتمرير المعاملات، وفساد إداري عميق جدا وكما وصف الوزير المسؤول عن شؤون الخارجية الحكومة بأنها مترهلة.
ورغم الدعايات الإعلامية الكثيرة عن دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. إلا أن الواقع يصطدم ببيروقراطية كبيرة جدا حيث تأخذ فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر مع تلبية اشتراطات لثلاثة جهات على الأقل لفتح محل صغير جدا طبعا بدون واسطة ومعرفة، وحتى من ناحية المستثمرين من الخارج فإنهم يواجهون صعوبات وعراقيل جمة للاستثمار في عمان هذا مع إلزام وجود شريك عماني وغالبا الأسماء تكون متكررة.
ويعاني العمانيون من غياب واضح للشفافية في حجم وتوزيع الثروة الوطنية الذي تستحوذ عليه الدولة بالكامل بدون مشاركة شعبية، وتستحوذ الدفاع والأمن والديوان وتوابعهم على النصيب الأكبر من الميزانية السنوية للدولة كما تبينه الميزانيات السنوية التي تنشر علنا في الإعلام الحكومي.
العوامل السياسية:
في تعديلات عام 2011 منح السلطان مجلس الشورى وهو منتخب شعبيا صلاحيات في المرسوم السلطاني (99/2011) مادة (58) تغنى بها الإعلام على أنها صلاحيات تشريعية ورقابية ولكنها لم تخرج من دائرة تقديم الاقتراحات والتوصيات مع وجود ثغرات قانونية في صالح الحكومة والسلطة، وحيث أنه من الاسم لا يعد برلمانا شعبيا حقيقيا فهو مجرد مجلس صوري يقدم الشورى للسلطان.
لا يوجد منفذ آخر للمشاركة السياسية في صنع القرار، فصناعة القرار محصورة في يد السلطان وأتباعه فقط ويمنع بقوة النظام أي نشاط سياسي مهما كان شكله أو قوته، وينفرد السلطان في توليه ما يقارب من عشرة مناصب بنفسه بحجة أنها سيادية ويستحوذ من خلالها على جميع السلطات فهو رئيس الحكومة وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء وهو رئيس مجلس عمان ولكن الواقع أن الحكومة هي من تقوم بعمل كل شيء فهي تسن القوانين وتشرعها وتنفذها والقضاء ما زال أمامه مشوار طويل لكي يستقل رغم صعوبة الآمر أمام عطايا الديوان ومكرمات السلطان.
والمتابع للمشهد السياسي العماني الداخلي يجد أن الجهات الأمنية من المكتب السلطاني وجهاز الأمن الداخلي (الاستخبارات) صلاحيات واسعة ونفوذ قوي جعلتهم فوق القانون ولا يخضعون للمحاسبة والمراقبة وممارساتهم تعد قمعية في حق كرامة الإنسان ويعتبرو من أهم العوامل لتأخر تطور البلاد، فتدخلاتهم في جميع مفاصل الحياة للإنسان العماني تقيد من حرية الفرد وبالتالي لا إبداع ولا تطور.
الخلاصة:
نستخلص من جميع العوامل التي ذكرتها في الأعلى أنه لا يمكن أن تتطور البلاد إلا إذا شهدت إصلاحات سياسية حقيقية يشارك الشعب في صناعتها وبناء دولة مدنية تحتوي الجميع وتقوم على التعددية والقبول بالطرف الآخر، دولة الحق والقانون عبر وضع دستور تعاقديا يشرك الشعب في صياغته والاستفتاء عليه وفصل السلطات فصلا مرنا بين بعضها حيث يخضع الجميع للمراقبة والمحاسبة وقوانين تكفل الحريات الفردية وتضمن الحقوق، وإنشاء برلمان شعبي ذا سلطة تشريعية حقيقية يكون فيه للشعب كلمة ويسمح له بالمشاركة السياسية العامة، والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل باستقلالية ويسر، واعتبار الإنسان العماني هو الثروة الوطنية للدولة وليس النفط والموارد.

أي مستقبل لليبرالية بالعالم العربي؟ - مقالة نشرت على موقع منبر الحرية

مقالة نشرت على موقع منبر الحرية
http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/8383

الليبرالية باللاتينية وتعني حر، هي عبارة عن فلسفة سياسية وتصور عالمي تقوم على قيمتي الحرية والمساواة، وتقوم على الإيمان بالحرية الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقوقه وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام تنوع واختلافات الأفراد ولا تتدخل فيها.
ولد المذهب الليبرالي في الظروف التاريخية التي عرفت صراعا بين مؤسسات وقيم الحرية الموروثة من العصور القديمة والعصر الوسيط وبين المغريات الاستبدادية التي سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر، ظهر الجزء الأكبر من الأفكار الليبرالية في أوروبا منذ بدايات القرن السادس عشر ولكن القرن الثامن عشر شكل استثناء خصبا في إنتاج هذا الفكر، ولعب عدد من المفكرين التنويرين والمنظرين دورا كبيرا في وضع نظريات مثمرة مع الواقع الاجتماعي، والليبرالية لا تعترف بمرجعية مقدسة، فمرجعيتها هي في الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان وحريته وكرامته وفردانيته.
وقد حظي القرن السابع عشر والثامن عشر بالكثير من المفكرين والاقتصاديين اللذين شكلوا اللبنة الأولى لليبرالية وساهموا بأفكار تطورت حتى وقتنا هذا، فمنهم جون لوك 1632 – 1704 الذي ركز على فكرة التسامح وكان له دور كبير غير مباشر في الثورة الأمريكية، وجاء بعده جان جاك روسو الذي فصل فكرة العقد الاجتماعي وكتب فيها أشهر كتبه الذي سمى بالعقد الاجتماعي، وكانت أراءهم الليبرالية غير مرحب بها في وقتها.
ويعتبر مونتيسكو 1689 – 1755 من أهم مفكرين عصره فكان أشهر كتبه (روح القوانين) الذي قيل إنه تمت كتابته خلال 20 عاما. ومن أهم أفكاره التي كان يدعو إليها هي الحرية والتسامح وتوزيع السلطة والتحرر من الأفكار الرجعية المتحجرة وكان من أكبر المنظرين لفكرة الفصل في السلطات وقد دعا لإقامة نظام فيدرالي ومنه استلم مؤسسي الدولة الأمريكية نظامها الفيدرالي وفكرة فصل السلطات.
ويجدر ذكر مفكر عظيم آخر وهو فولتير 1694 – 1778 وهو كاتب فرنسي وفيلسوف وكتب الكثير من الكتب دعا خلالها للإصلاح السياسي والاجتماعي ودافع عن الدولة المدنية وهاجم التابوهات الدينية، ونجد أيضا أدم سميث 1723 – 1790 الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي فيعد أول وأشهر من كتب عن السوق الحر والرأسمالية ويعتبر كتابه ثروة الأمم من أشهر مؤلفاته التي تحدث فيها عن أسباب الثروة ووضع ملامح لأفكاره الاقتصادية وتأثر بها الكثير من المفكرين الليبراليين، وبعد ذلك جاء جون إستيورات ميل 1806 – 1873 الفيلسوف الليبرالي الكلاسيكي والذي يعد من أكبر المفكرين الليبراليين المنظرين لمبدأ الفردية ويعد كتابه (عن الحرية) من أشهر كتبه.
إذا قامت الليبرالية لتصور عام عالمي يقوم على الحرية الشخصية للفرد وبذلك حصل التقدم والازدهار، الغرب كان يعيش في ظلام دامس كالظلام الذي تعيشه الدول العربية الآن من جهل وفقر وبطالة واستبداد وعبودية ومستهلكين بدون تبادل حقيقي ولكنه خرج للنور وصنع حضارة عبر إيمانه بحرية الفرد والتي ساهمت في إبداعه وبدون تدخل من الدولة أو أي سلطة ودون قيود أو تابوهات تحجر عليه فكره الواسع.
وليست الفلسفة الليبرالية أبلغ وصفا وتعريفا من الحرية، فهي كمذهب وفلسفة تتمحور حول هذه القيمة الإنسانية العليا، فهي وسيلة الأفراد للتقدم والتطور وصنع حضارة، وفي الحرية تكمن السعادة، فليس أنبل من أن يكون الإنسان حرا ينعم بالأمان ويتحرر من الخوف والقهر والظلم والاستبداد.
ما تمر به الدول العربية منذ عقود هي حالة شبيهة للعصور الوسطى المظلمة في أوروبا حيث حالة من الجمود الفكري والاستبداد السياسي بقوة الفتاوى الدينية والعسكر صنعت عبودية طوعية كتلك التي تحدث عنها لابويسيه في مقاله عن العبودية المختارة، مكونة لبيئة جامدة ترفض كل اختلاف ونقد أو فكرة جديدة مما قتل الإبداع وساهم في تأخر المجتمعات وجعلها مجتمعات استهلاكية معتمدة على ما يأتي من الخارج بدون أن تنمي نفسها وتلحق بركب الحضارة.
حاولت عدة حركات عربية وأشخاص مثل حزب الوفد وحزب الغد والدكتور محمد البرادعي والدكتورة هالة مصطفى وغيرهم في نشر الفكر الليبرالي وثقافته لكنها واجهت عوائق عديدة مرتبطة بممانعات تقليدية وغير تقليدية، فهناك ممانعة مرتبطة بالدين فيعتقد كثيرون أن الليبرالية من خلال فصلها للدين عن السياسة فهي أتت لمحاربة الدين الإسلامي ولكن الليبرالية أساسا تعتبر الحل الأمثل لتلافي الاختلافات العقائدية والدينية ولا تعادي الدين إنما تضعه في مكانه الصحيح وهو أن الدين علاقة فردية بين الفرد وربه وليس فرضا ومفهوما لتسيير دولة عبر علماء مجتهدين مصيبين ومخطئين، والليبرالية بالواقع تساهم في وضع تصور لدولة مدنية متجددة الأفكار دائما لا دينية ولا عسكرية، والاثنين هم أقوى دعائم الاستبداد والديكتاتورية في التاريخ لأي نظام وما الدول العربية إلا صورة واضحة لمعاني الطغيان والديكتاتورية.
يواجه الفرد في الدول العربية الكثير من العوائق والتي تعيق تطوره وإبداعه منها الظلم والاستبداد والكثير من العادات والثقافات والاختلافات الدينية والسياسية والتي تفرض عليه قيودا تمنعه من التحرك بحرية وتسمح له بالسباحة في فضاء الفكر الواسع مما قد تساهم في صناعة حضارة حقيقية، ولذلك لكي نخرج من النفق المظلم فلا يكفي أن نبني فقط ديمقراطية بحرية سياسية فقط بل أن نؤطرها بأطر قانونية ودستورية تتمحور حول الحرية الفردية ونرد للفرد اعتباره ومكانته المستحقة في صنع المستقبل.
فعملية التحول الديمقراطي التي نحتاجها في الدول العربية تحتاج لشروط ثقافية وفكرية ومجتمعية لإتمامها تشمل إلى جانب الحرية السياسية والاقتصادية حريات أساسية مثل حرية الفكر والإبداع والتعبير والعبادة واختيار نمط المعيشة والحق في العلم والمعرفة وفي التميز والاختلاف، وترسيخ مفهوم الحريات الفردية التي هي جوهر الحقوق وأساس مبادئ حقوق الإنسان العالمية.
المراجع:
كتاب الليبرالية لباسكال سلان.
كتاب أزمة الليبرالية العربية للدكتورة هالة مصطفى.
مجموعة مقالات لعدة كتاب منشورة على موقع منبر الحرية.

العالم العربي وتحديات الدولة المدنية - مقالة نشرت في صحيفة العرب اللندنية

مقالة نشرت في صحيفة العرب اللندنية
http://www.alarab.co.uk/?id=18291

بدأ الحديث عن الدولة المدنية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر قبل الثورة الفرنسية بسنوات قليلة، حيث كانت الدول الأوروبية تعيش وطأة الاستبداد وتواجه حروبا دينية بسبب تسلط الملوك وسطوة الكنيسة فكريا وثقافيا وعانى الشعب اجتماعيا بسبب الطبقية، فظهرت فكرة إيجاد دولة مدنية تكفل الحرية والمساواة عبر فلاسفة ومفكرين أسهموا كثيرا في صناعة قاعدة فكرية شعبية تعزز فكرة الدولة المدنية مثل لوك وهوبز وروسو وغيرهم.
يجمع الكثيرون على أن الدولة المدنية تكون دولة لا دينية ولا عسكرية، فإذا أدار الدولة رجل الدين عبر سلطاته الدينية ففرصة بروز الاستبداد كبيرة لأنه سيحدد خطابه الديني على أنه ممثل الله في الأرض وواجب طاعته وعدم مخالفة أوامره ومعارضته، خصوصا في مجال الدين القابل للاجتهادات الفردية والنقاش والاختلاف حولها. وهذا ما لا يتحقق مع الدولة المدنية التي تدعو إلى التعددية وقبول الطرف الآخر. فالدين ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح، والدولة المدنية ليست ضد الدين، ولكنه يظل في حياة الناس الخاصة فهو عامل بناء الأخلاق ودافع كبير لخلق الطاقة للعمل والتقدم.
ولكي يتم تأسيس الدولة المدنية فهناك عدة شروط ضرورية لقيامها، وهي أولا وجود قانون يحمي حريات وحقوق الأفراد وينظم العلاقات ويحفظها في إطار قانوني، وثانيا المواطنة التي تتعلق بتعريف الفرد الذي يعيش على أرض الدولة، وثالثا أن تقوم السلطة على التعددية وقبول الطرف الآخر والتسامح والمساواة، ورابعا الديمقراطية وهي وسيلة للحكم الرشيد وتفويض السلطة وطرق انتقالها لتحقيق الاتفاق العام.
المتابع لأحداث المسرح العربي يجد أن كلمة الدولة المدنية تتردد دائما عند بروز أية مطالبات شعبية، حيث تكون الدولة المدنية أحد أبرز أعمدة المطالبات، وقد أظهرت ثورات الربيع العربي وما تبعها من أحداث، الحاجة إلى قيام دولة مدنية حديثة تحتوي جميع الأطراف، وتضمن حقوق الشعب المسلوبة من قبل أنظمة متفردة بالسلطة والقرار، ورغم صعوبة تأسيس دول مدنية إلا أن الإرادة أخذت في الظهور لدى أجيال الشباب الفاعلة التي ستؤثر حتما على الأجيال القادمة.
فالتحديات القائمة أمام تأسيس دول مدنية، تبرز من خلال ضعف مستوى الوعي السياسي والثقافي، وبروز الخطاب الديني والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة، وحالة التشتت والفرقة والتشرذم بين أطياف المجتمع الواحد، ورغبة قوى شعبية -بخلفيات دينية أو قبلية أو حتى ليبرالية- في الاستئثار بالسلطة لظنها بأحقيتها بذلك.
فتردي المنظومة التعليمية وحصر الممارسة السياسية لفئة معينة، وغياب حراك سياسي وثقافي الذي تسببت فيه الأنظمة العربية على مدى عقود، ساهم في ضعف مستوى الوعي السياسي والثقافي وأدى إلى التبعية دون وجود فكر حر ينتج روحا نقدية تميز بين الحقيقة والخطأ، وبالتالي تتمكن من الحكم على الأمور وفق المنطق لا بالعاطفة والازدواجية ووفق أهواء السلطة العليا.
ومن أصعب التحديات المواجهة لتأسيس دولة مدنية في العالم العربي هو الخطاب الديني وتأثيره العميق على قطاع كبير من المجتمعات العربية، فبعد ثورات الربيع العربي برزت تيارات الإسلام السياسي والتي غالبا ما أخفقت في إدارة المرحلة الانتقالية واتسمت بالخطاب الديني الموجه للعاطفة.
وهناك تحديات على مستوى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتعمقة في المجتمعات العربية بسبب سوء توزيع الثروة وغياب العدالة الاجتماعية واحتكار الأسواق والاقتصاد. إلى جانب حالة الفرقة والتشرذم بين أطياف المجتمع لغياب ثقافة الاختلاف والإيمان بالتعددية وقبول الطرف الآخر، فتجد أن هناك تفرقا بين المذاهب أو التوجهات السياسية وصل إلى التفرق بين أبناء المذهب الواحد أو التوجه السياسي الواحد.
ولا يجب أن نغفل أحد أهم التحديات القائمة وهي رغبة الدول الراعية للأنظمة العربية بالاستمرار على نفس النمط التقليدي من الاستبداد والجهل وذلك رغبة في الاستمرار في التحكم السهل بمفاتيح سياساتها واستغلال ثرواتها الطبيعية وتسويق منتجاتها وخصوصا الأسلحة.
رغم جميع التحديات التي يواجهها بناء الدولة المدنية في العالم العربي إلا أن هناك بصيصا من الأمل لا يجب أن تسمح الشعوب بإخماده مهما كانت التضحيات، وأن تستمر الحملات والمبادرات التنويرية لإثراء الفكر الحر وتحرير عقول أفراد المجتمع في العالم العربي لقيم الحرية والديمقراطية.

من أجل تفعيل العمل السياسي في عمان: نقد الحاكم في أدائه ليس اعابة في شخصه

مقالة نشرت في موقع المفكرة القانونية
http://www.legal-agenda.com/article.php?id=305&folder=articles&lang=ar

يتمحور العمل السياسي حول مبادئ إرساء العدالة والمساواة بين المواطنين وإظهار المشاكل الإجتماعية وحلها بالطرق السلمية العملية بغية التوجه بالوطن نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلط والأنانية والفساد والإحتكار. في العقود الماضية القريبة تشوهت كثير من المفاهيم الخاصة بالعمل السياسي، في ظل سيادة ثقافة السعي لتحقيق "السعادة الفردية-الاستهلاكية" بأي ثمن. صار "الذكاء" يتمثل بالابتعاد عن "وجع الرأس" و"المشاكل"، أي عن الشأن العام، وبمحاولة إيجاد فقاعة آمنة يمكن أن يحمي المرء نفسه فيها من انعكاسات الشأن العام عليه شخصيا. ولا شك أن الأنظمة العربية المعنية بإبعاد أوسع قطاعات الشباب عن الشأن السياسي، بكافة وسائل الترغيب والترهيب- حتى وهي تتحدث عن "التنمية السياسية" - هي من أول الجهات المعنية بتوسيع تلك الحالة من الجهل والتجهيل بين الشباب، لأن من ينغمس في الشأن الفردي لا يعارض السياسات الحكومية ولا يسأل عن الفساد والمال العام، ولا عن موارد الدولة، أي موارد الشعب، ولا عن التفريط بالقضايا الوطنية والقومية الكبرى، قضايانا، قضايا الأمة. وأفضل الظروف بالنسبة لأي نظام قمعي أو مستبد هي بالضرورة تلك التي لا يضطر فيها النظام لقمع معارضيه وقوى المجتمع الحية؛ وهذا ما يتحقق إذا تمكن من ايجاد أجواء يعزف فيها الناس عن العناية بشأنهم العام، وصولا إلى تدمير الوعي العام برمته.
والمشاركة السياسية هو مبدأ ديمقراطي تقوم عليه الدول المدنية الحديثة، مبدأ يتم التمييز فيه بين الدول المدنية الحديثة التي تقوم على المواطنة والمساواة والعدالة والدول الشمولية التي تقوم على الإحتكار. والمشاركة السياسية لا يمكن أن تتم إلا تحت مظلة النظام الديمقراطي، الديمقراطية التي يسود فيها القانون، والمشاركة السياسية تعني مساهمة المواطنين بقصد التأثير في عملية صنع القرار الرسمي، وهو فعل تطوعي، وهناك نوعان نوع تقليدي كالتصويت في الإنتخابات والمشاركة في مؤتمرات وطنية وتقلد المناصب السياسية والإنضمام إلى أحزاب أو جماعات، والنوع الآخر غير تقليدي ويظهر أكثر في الدول غير المدنية التي تعاني عادة من غياب قنوات التعبير الشرعي مثل عدم وجود أحزاب سياسية أو ضعف دور النقابات العمالية واستمرارية ملاحقة الدول للسياسيين المعارضين وغيرها.
وتكمن أهمية المشاركة السياسية بأن الإنسان النشط المشارك إنسان إيجابي بالطبع ويتسم بوعي وبصيرة وزخم فكري والمشاركة تنمي الإحساس باحترام النفس وتنهض بالوعي السياسي وبالنسبة للقائمين على الحكم فإنها تنبههم إلى ما عليهم من واجبات قبل الوطن والمواطنين وتدفع بالحكام للنظر لمطالب شعوبهم والعمل على إقرار العدل والسلام الاجتماعي والتوافق الطبقي والعرقي إضافة إلى إقرار عدالة توزيع الدخل القومي.
ومن الصور الطبيعية للمشاركة السياسية غير التقليدية هوإنتقاد أداء السلطات من الجانب الشعبي كما قمنا بعمله في عمان خلال السنوات الأخيرة. والناشط أو الناقد يقوم على إنتقاد الأداء العملي للموظف الرسمي بدون التدخل في الحياة الشخصية للموظف السياسي وإلى ضرورة الفصل بين شخص الحاكم أو رئيس الوزراء عن عمله وأن الحاكم طالما كان هو المتحكم الوحيد بطريقة غير دستورية في مصير الشعب ومقدراته فلا بد من إنتقاده وهذا حق شرعي للشعب لحماية ثرواته وتأمين مستقبله والقدرة على المشاركة السياسية في ظل غياب القنوات الشرعية له، وحين يستخدم الناشط مصطلحات يشكك فيها بمصداقية عمل الحكومة أو ضعف قرارات الحاكم فلا بد من إعتبارها لتوجيه العمل الوطني والنهوض به وعدم إعتبار نقد الحاكم عملا شخصيا كإعابة شخصه.
من المشاكل التي نواجهها في القوانين والمفاهيم المتعلقة في أذهان العديدين هي إزدواجية عمل الحاكم مع شخصه، فأي إنتقاد لعمله وأداءه وقراراته تعتبر وكأنه إعابة في شخصه أو تطاول على ذاته، وهذا في ظل تحكم الحاكم بعدد كبير من المناصب السيادية التي تمس الحياة اليومية للمواطن والتي تقرر الإستراتيجية التي يقوم بها الوطن، وعليه قامت الحكومات الخليجية بملاحقة النشطاء والمعارضيين لإنتقادهم أداء حكامهم ومعاقبتهم بتهمة إعابة ذات الحاكم.
يجب علينا أن نفرق بين الإنتقاد السياسي البناء على عمل وأداء الحاكم وبين شخصه وهذا يتم أولا بضرورة الفصل بين سلطات الحاكم نفسه، وتعديل القوانين التي لا تفرق في ذلك والمبهمة في توضيح ماهية الإنتقاد والإعابة
.

صلاحيات مجلس الشورى العماني بين الحقيقة والخيال

مقالة نشرت في صحيفة الوطن الجزائرية
http://www.elwatandz.com/watanarabi/7622.html

المجالس الشعبية إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط الشعبي هي التي تعتبر النافذة الرسمية للشعب للتواجد في الحياة السياسية لدى أي دولة متقدمة, والدول المتقدمة هي الدول التي بها نسبة الحريات والمشاركة السياسية للشعوب عالية وبذلك يتمكن الشعب بنفسه من مراقبة ثرواته ومقدراته وتشريع قوانينه وتحديد إستراتيجيته للمستقبل.
وخلافا لما ذكر بالأعلى فإن المجلس الشعبي له دور كبير في تحديد تقدم الدولة من عدمها, وأيضا دور دقيق جدا في الحد من تسلط سلطة واحدة بجميع مفاصل الدولة بكل أركانها وسلطاتها, فتجد من الطبيعي جدا في دول العالم الثالث كحال بلدنا أن تقوم السلطة بإختراق جسده, وتفصيل صلاحياته حسب ما يريدون بدون الإضرار بأي مصلحة خاصة لهم. فتأتي السلطة العليا وتقول لشعوبها أن هذا المجلس هو مجلسكم بدون التدخل في أي قرار إستراتيجي يخص الوطن أو بدون مراقبة أهم مفاصل الدولة, ويتم غسل أدمغة الشعوب النامية أن هذه النوعية من المجالس هي التي توفر الأمن والأمان وهي تمثل المثل العليا للديمقراطية والتي لن تشاهدون لها مثيل في أي دولة بالعالم أجمع.
مجلس الشورى العماني فتح نوره للحياة السياسية العمانية كمجلس إستشاري معين بالكامل وبعد سنين طويلة ومطالبات شعبية تم منح الشعب مجلس شورى منتخب بالكامل على أساس إنتخابي مقسم حسب الولايات وعدد سكانها لتوزيع التمثيل السكاني بشكل عادل في المجلس ولكنه كان معدوما في صلاحياته, فأقصى ما يملكه كان رفع رسالة توصية لموضوع يخص البلديات أو التنمية المحلية. وبعد أحداث الربيع العماني بشهر فبراير 2011 والمطالبات الشعبية بمنح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية كاملة, أتت الصلاحيات فقيرة نسبيا وعلى عكس ما طالب به الأغلبية من الشعب, ولكنها أفضل عن الوضع السابق من حيث القدرة على مسائلة الوزارات المسماة بالخدمية في مشاريعها وخططها التنموية بدون التدخل في سياستها الإستراتيجية.
لا يختلف عاقلان أن الصلاحيات الجديدة الممنوحة لمجلس الشورى لا ترقى إلى تطلعات الشعب العماني بأجياله الجديدة وكأنها مولود مشوه,
 
"فأتى الشورى رغم صلاحياته، إلا أنه كالمولود المشوّه، إن أراد المشي لم يستطع لعوجٍ خلقي في إحدى ساقية! وإن أراد أن يُشير بيديه ويقبض ويكتب لم يستطع، لعدم استقامة الذراع وخلل في عدد الأصابع، وإن أراد أن ينطق، أتى الصوت مموّجا باختلاف واضطراب واستحياء وألم، فلا تفقه حرفا ولا تنال علما ولا تصل لحقيقة! فيكتم الحزن وويعترض على الظلم،في قلبه كأضعف الإيمان!" من مقالة للمدون والكاتب نبهان الحنشي.
وقد تربط السلطة عبر إعلامها الموجه أن الصلاحيات الممنوحة هي تدريجية بالسنين ومرتبطة على حسب ثقافة الإنتخاب, وهنا جدير بالذكر أن الصلاحيات هي التي توفر هذه الضمانات من حيث أن الشعب يعي أن صلاحية الشورى تمكنه من مسائلة جميع الوزارات وسن التشريعات والقوانين ومراقبة المال العام وبالتالي سيضطر الشعب إلى إنتخاب العضو الصحيح بنسبة 65% وهي أكثر من كافية, ومع ثورات الربيع العربي المباركة والتي ساهمت إلى حد كبير في تكوين الفكر السياسي والثقافي لدى جل الأجيال الحالية والقادمة وهذا سيساهم فعليا في وضع الأطر الصحية للإنتخابات بعيدا عن أي خلفية عائلية أو قبلية أو مذهبية أو مالية.
 
"الشورى صوت الشعب ورأيه وطريقه وعينه وأذنه.. وقوّته من قوّة الشعب، وأهميته من أهمية الشعب" نبهان الحنشي, 
فلنتمسك بقوتنا الشعبية الوحيدة وندافع عنها ونصححها فمجلس الشورى هو ملكية خاصة مسجلة بإسم الشعب العماني, وهو يمثل الصورة المعبرة عن حالة الديمقراطية الحقيقية التي وصل إليها الوطن, وهذا ما يدفعنا دوما لإنتزاع المزيد من الصلاحيات الحقيقية لهذا المجلس وبالتالي سيوفر ضمانة حقيقية للوطن بمشاركة الشعب في كل ما يخصه والتفكير في الإنتاج العلمي والصناعي ودفع عجلة التعليم وفتح الوطن للدخول في مستقبل واعد.
 
 
 
 

سلطنة عمان 26 فبراير المجيد

مقالة نشرت في صحيفة الوطن الجزائرية
ربما لا أنتمي إلى فئة المثقفين أو ربما لا أجيد الكتابة كثيرا, ولكن تكويني السياسي نابع أولا من البيئة التي عشتها حيث أن والدي من المتابعين للأخبار العالمية طوال الوقت ويقوم بتحليل الأحداث بناء على سماعه للأخبار ومن ثم مع إنتفاضة الدرة وقضية المشائخ وإنتفاضة غزة والأزمة الإقتصادية العالمية وطبعا لا ننسى منتدى سبلة العرب الذي ساهم إلى حد كبير في تكوين فكرنا السياسي ومنحنا الفرصة للإطلاع على أوضاعنا المحلية والتي تكون مغايرة في الإعلام الحكومي.
 
مع بداية الثورة التونسية المباركة ومن ثم المسيرة الخضراء الأولى بمسقط وثورة 25 يناير المصرية المباركة  وتبعها المسيرة الخضراء الثانية بمسقط ومسيرة نداء الخير بصلالة 25 فبراير كانت هناك إشارات عديدة إلى حصول شيء ما.
بما إني كنت من المتابعين القريبين جدا للربيع العماني الشبابي المبارك الذي ساهم في حد كبير إلى تغيير البوصلة السياسية والثقافية والإجتماعية بالدولة بإعتراف الجميع, فسأحاول سطر بعض اللمحات التي ربما لن تمنح يوم 26 فبراير المجيد حقه.
كنت أعمل حينذاك بشركة صحار ألمنيوم الكائنة في منطقة صحار الصناعية, وقد وصلتني الأخبار عبر زملائي أن عددا كبيرا من الشباب العاطلين عن العمل الذين كانوا يجتمعون بإستمرار منذ عدة أشهر مع المديرية العامة للقوى العاملة بصحار لمطالبتهم بالتوظيف وخصوصا في ظل إزدياد عدد المشاريع العملاقة المنشئة في ميناء صحار وكانوا كأبناء للمنطقة يرون أنهم قد هضم حقهم الطبيعي في الحصول على أولوية للعمل في هذه المشاريع.
توالت الأخبار عن تدهور الوضع وقيامهم بقطع الدوار الرئيسي لمدينة صحار بعد الخطأ الكبير من المدير العام للقوى العاملة بصحار وقائد شرطة شمال الباطنة ووالي صحار الذين فشلا في إحتواء الموقف مما فجر المشهد, وخلال الساعات الأولى من صبيحة اليوم التالي مع إعتصام مجموعة لا تزيد عن 50 شخصا في الدوار هاجمت قوة كبيرة لمكافحة الشغب الدوار وقامت بإعتقال الجميع وضربهم ضربا مبرحا ونقلهم مباشرة إلى سجن سمائل, وقد إنتشر الخبر في صبيحة اليوم التالي إلى جميع الناس مما أدى إلى رجوع مجموعة من رفقاء الشباب المقبوض عليهم لمركز شرطة صحار للسؤال عن أصحابهم, وهنا حدث الخطأ الثاني الذي زاد الموقف تأزما فتم رفضهم وطردهم من المركز مما أخذ الشباب إلى الهجوم على مركز الشرطة الذي كان ممتلئا بأفراد مكافحة الشغب, وخلال المواجهات سالت الدماء الطاهرة العمانية على هذه الأرض الطيبة معلنة أول شهيد للربيع العماني المبارك, ويعتبر سقوط الشهيد هو نقطة تحول القوة إلى صف الشباب حيث أن مشهد فيديو سقوط الشهيد الغملاسي إنتشر كالنار على الهشيم بين الجميع وما هي إلا ساعات حتى تجمع الآلاف من جميع المناطق القريبة لنصرة أخوانهم والمطالبة بالإفراج عنهم, ومع بداية الليل إنسحب الأمن من منطقة شمال الباطنة تماما في ظل إشتداد المواجهات بين آلاف من الشباب الغاضبين وقوات شرطة مكافحة الشغب. وفي نفس الوقت خرجت مجموعة من الشباب في مسقط وتجمعت أمام مجلس الشورى غضبا من ما حدث في صحار.
طبعا مع حضور وفد حكومي عالي المستوى إلى صحار للحوار مع الشباب بدأت تتشكل ملامح القوة الشبابية وأيضا طبيعة المطالبات الشعبية, فنجدها في صحار كانت المطالبات الإقتصادية هي الغالبة بينما في ساحة الشعب كانت المطالب السياسية والإجتماعية هي الأغلب.
لم أكن قريبا جدا من المشاركة في التنظيم العملي لميدان الإصلاح بصحار أو ساحة الشعب بمسقط ولكني كنت أجد نفسي يوميا حاضرا إما هنا أو هناك, ربما القدر كان يسوقني لكي يجهزني لما هو أهم وهو الإستمرار في طلب الإصلاح والحقوق.
كنت دائما وما زلت أرى أن الإصلاح يبدأ من خلال الشعب قبل السلطة مع المسئولية الكاملة من قبل السلطة لفعل ذلك وتمكينه عمليا, فهي علاقة متوازية بين الطرفين. فلذلك حاولت المساهمة من خلال مواقع التواصل الإجتماعي في توضيح أهمية ثقافة الحقوق ونشر التحليلات الفكرية والآراء الخاصة بي لما هو يدور حولي بشكل كامل, ومع الأيام إكتسبت جرأة وشجاعة مكنتني من بناء الإنتقادات الصحيحة حول جوهر أداء عمل السلطات وفق منظور بسيط يفهم شعبيا. أتفق مع الجميع أن الإصلاح هو شخصي ومجتمعي ولكن بنظري أن السلطات لها مسئولية كبيرة بما تملك من إمكانيات وقدرات على جعل الإصلاح أسهل وقابل للتنفيذ.
في عمان هناك مجموعة من العوامل السياسية والإجتماعية التي تحتم علينا التفكير جديا في طبيعة المطالبات ولكننا لسنا من تمشي عليه كذبة ما قبل السبعين وما بعده, ولا نلوم الأجيال التي سبقتنا فكانوا يعيشون في ظلام كحال بقية الشعوب المجاورة وجأة ظهر النفط وساهم مساهمة كبيرة في عمل نقلة نوعية لتلك الأجيال ولكن الأجيال الحالية لا تفهم ذلك فهم يطلعون على العالم من خلال كف اليد ويعلمون كل ما يجري في أنحاء العالم ويرون كيف أن الدول المتقدمة ومن غير موارد طبيعية يعيشون في جو تسوده العدالة والحريات.
مع مرور الوقت تشكلت لدينا ملامح الطريق الذي يجب أن نمشي عليه من خلال المطالبة الفعلية عبر خطوات عملية للفصل الحقيقي بين السلطات وإنتخاب رئيس للوزراء ومنح مجلس الشورى سلطات فعلية للتشريع والرقابة على السلطة التنفيذية والتوزيع العادل للثروة الوطنية عبر أسس عادلة وإصلاح التعليم الذي يعتبر أساس الإنطلاق نحو المستقبل مع الإستمرار في المطالبة بتعديل جميع القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة لحقوق الإنسان.
ما زال الطريق طويلا ولكننا ندين بعد فضل الله سبحانه إلى تاريخ 26 فبراير المجيد نقطة التحول التاريخية في مسار الشعب العماني, والذي تم إستجوابي العام الفائت في الإدعاء العام لأني طالبت بجعله يوما وطنيا نحتفل فيه بهذا اليوم المبارك والذي إنطلقنا منه نحو حلم جميل وهو “عمان الجديدة”.

الأمن والأمان بين الفزاعة والمفهوم

مقالة نشرت في صحيفة الوطن الجزائرية
http://www.elwatandz.com/politique/11543.html

قامت الأنظمة العربية على مدى سنين طويلة وعبر ترسانتها الإعلامية التابعة لها بغرس تعريف الأمن والأمان في عقول الناس وربطه بشكل مباشر وغير مباشر بالأمن القومي وإستقرار البلاد دون توضيح فعلي حقيقي، وبعد بروز ثورات الربيع العربي والتي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية البوليسية أضحت الدول العربية وخصوصا الملكية خائفة من المد الثوري أن يصل إليها فقامت بالتمسك بهذا التعريف بقوة ونشره عبر الإعلام كثيرا.. فماذا يدل أساسا مفهوم الأمن والأمان؟ وماذا تقصد به الأنظمة العربية وتجعل منها كلمة تردد بشكل يومي في الإعلام الحكومي؟ هل هي مربوطة ببقاء الأنظمة؟ هل هي محاولة لإبتزاز شعوبهم؟ كيف ساهمت هذه الفزاعة برفع نسب البطالة وسوء الوضع الإقتصادي وتردي مستوى مخرجات التعليم؟ دأبت الحكومات العربية البائدة والحالية على ذكر الأمن والأمان دوما في إعلامهم كأهم إنجاز قامت به وتدل عليه بحالة السلم والإستقرار الذي تعيشه البلد، فإذا ما قامت مظاهرة أو حصلت إحتجاجات شعبية مطالبة بالحقوق والحرية تبدأ الحكومة بذكر أن مثل هذه المظاهرات والإحتجاجات يقوضان الأمن والأمان في البلاد، وقد وصل الأمر إلى حد أن أجيالا كاملة لا تخطو خطوة خوفا من فقدان نعمة الأمن والأمان على حساب حقوقها وحرياتها... أجيال كاملة سلبت حقوقها ونهبت ثرواتها وكبتت حرياتها
خوفا من فقدان الأمن والأمان الذي تتغنى به الحكومات العربية ((الفزاعة)). نعم إنها فزاعة تشهر بها الحكومات العربية لتمكن نفسها من البقاء طويلا في سدة الحكم دونما إزعاج، فزاعة إستخدمت لنهب ثروات الوطن وكبت الحريات في أمن وأمان من الشعب، فزاعة نجحت أنظمة عربية في غرسها في عقول أجيال ((بدون وجود النظام يفقد الشعوب الأمن والأمان)). وقد ساهمت الحكومات في جعل الوضع واقعيا عبر منع الممارسة السياسية ومنع الفكر الحر مع غياب حقيقي لتعليم حديث يغرس البحث والتساؤل وبالتالي غياب الوعي السياسي والحقوقي، فأصبح الوضع فاعلا أنه إذا هدد النظام فإن الشعب سيخسر الأمن والأمن لتعم الفوضى والخراب.. فزاعة إستخدمت كوسيلة لإبتزاز الشعوب العربية لعدم الحديث عن حقوقهم وحرياتهم، فالسكوت والسكون مقابل الأمن والأمان والمطالبة بالحقوق والحريات مقابل الفوضى والخراب.. إذا ما نظرنا إلى مجتمعات ودول متقدمة لوجدنا أن الأمن والأمان هو حدث تلقائي يأتي بعد ضمان الحقوق وتعزيز الحريات.. لأن الأمن والأمان أساسا مفهوم شامل لعدة جوانب سياسية وإقتصادية وإجتماعية يكون بتنمية البشر وتطوير قدراتهم، يكون بضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة عبر تعليم متطور وفرص وظيفية وحياة إجتماعية كريمة... ألم يكفي الإبتزاز وحان موعد العمل من أجل الشعوب وإعطاء الحقوق والحريات أو إنتزعتها الشعوب بأجيالها الجديدة الطامحة لبناء حضارة والركوب في سفينة الحداثة؟؟ ألم يحن الآوان لتحطيم هذه الفزاعة المغروسة في عقولنا؟؟!

قصة إعتقالي الأخيرة الغير مفهومة

مقالة نشرت في صحيفة وطن الجزائرية
http://www.elwatandz.com/watanarabi/11540.html

كنت خارجا في رحلة خلوية إلى مدينة صور بالتحديد كنت مخيما مع صديقي في المنطقة بين رأس الحد وصور على الشاطئ فتفأجأت بإتصال من رقم هاتف مكتب الساعة الواحدة والنصف ليلا يطلب مني تسليم نفسي فورا لأقرب مركز شرطة وعند سؤالي عن السبب رفضوا إعطائي ذلك وأصروا علي بتسليم نفسي فرفضت وقلت لهم سأتي بنفسي غدا لمسقط القسم الخاص ولكنهم رفضوا... طبعا أكملت رحلتي وفي اليوم التالي تحركنا لمسقط وقمت ببعض الإتصالات مع محامين لكي يأتوا معي للقسم الخاص ولكن عندما كنا في الطريق وقد وصلنا لمسقط ظهرا، إعترضت سيارات مدنية نوع صالون أمامنا ونزلوا شباب صغار وطلبوا مني مرافقتهم بدون ذكر السبب... قيدت وألبست غطاء أسود للرأس وتم إقتيادي إلى مكان غير معلوم، وصلت وأدخلت إلى غرفة ثم ذهبنا إلى غرفة التحقيق وإستمريت بالتحقيق مع شخصين من جهاز الأمن الداخلي إلى آخر الليل، وكانت التحقيقات حول كتابات لي في الفيسبوك ولقاءات مع شباب ومناداتي بالسلطنة الدستورية... ثم أخذوني مقيدا مغطى الرأس إلى ساحة مفتوحة محاطة بالشبك الحديدي ووراءها زنزانات إنفرادية حالتها أفضل من زنزانات الأمنالداخلي فتوقعت إني في سجن تابع لتحريات الشرطة بالقرم، وفي صباح اليوم الثاني أخذوني مجددا مقيدا ومغطى الرأس إلى غرفة التحقيق نفسها وبدأ التحقيق الذي إستمر متواصلا إلى نهاية اليوم ليلا، دارت التحقيقات أيضا عن مطالبتنا بالسلطنة الدستورية والفصل بين السلطات ومسألة رئيس وزراء وسلطة تشريعية شعبية مستقلة وكتابات تنتقد أداء الحكومة وكتابات فكرية عامة... حاولت أن أتبين سبب إعتقالي والتحقيقات لم أستطع ولم أتبين فعلا السبب حقيقي وراء الإعتقال والتحقيقات... في نهاية اليوم وقعت على تعهدات أعتبرها باطلة شرعا وقانونا لأن ما أسس على باطل فهو باطل ولكن لم أرد الصدام مع سلطة أمنية قمعية لا يحكمها قانون ولا تعيره أي إهتمام إن وجد بسبب الصلاحيات الممنوحة لها من قبل السلطان ووضعها فوق القانون يركض الجميع إلى محاباتها خوفا من بطشها وطمعا في توصياتها النافذة... خرجت من هناك وأنا لا أعرف السبب الحقيقي المنطقي الواضح وراء إعتقالي في الشارع وإقتيادي إلى جهة غير معلومة ومنع أهلي من معرفة مكاني ومنعي من مكالمتهم ومنعي من إستدعاء محامي يحفظ لي حقوقي إن وجدت في القانون الغير شرعي ومنعت من معرفة تهمي... أقولها أن الدولة إذا أرادت فعلا الإرتقاء والتطور فيجب كبح جماح السلطات الأمنية من المكتب السلطاني وجهاز الأمن الداخلي والشرطة السلطانية وتوابعهم من الإدعاء والقضاء، يجب وضعهم تحت طائلة القانون والمسائلة وترصد وتنشر إنتهاكاتهم بحق الإنسان العماني..

الملكية القديمة والديمقراطية المتعثرة: الواقع السياسي في سلطنة عمان



المقالة للباحث البريطاني: بيتر بنهام من جامعة لانكشاير، ترجمة: خلفان البدواوي

رابط المقالة بالإنجليزية: http://conflictandsecurity.com/blog/ancient-monarchy-and-troubled-democracy-omans-political-realities/

شهدت منطقة الشرق الأوسط اضطرابات كبيرة في السنوات الأخيرة؛ في تحول غيرت من التركيبة السياسية للمنطقة. بالنسبة للعديد من الأنظمة الاستبدادية جلب الربيع العربي لحكوماتهم الانهيار، ولكن بالنسبة لآخرين كانت الآثار أقل تدميرا. تمكنت بعض الأنظمة من الانحناء أمام العاصفة دون تغيير نسبيا، وكانت عمان واحدة من هذه الدول.

في الخطابات الكبرى التي تتحدث عن سياسات الشرق الأوسط نادرا ما يتم التركيز على سلطنة عمان، المراقبون يمرون عليها وبدلا من ذلك يتم النظر إلى الاضطرابات الداخلية اليمنية أو السيطرة في المملكة العربية السعودية أو الأبراج المتلألئة في الإمارات العربية المتحدة ومع ذلك، ينبغي أن يكون التركيز على هذا البلد في نهاية شبه الجزيرة العربية. هنا في عمان، الدولة التي تطوقها الربع الخالي والمحيط الهندي، هي واحدة من أقل الدول الديمقراطية في العالم. عمان لها تاريخ طويل من الحكم الملكي، ولكن خلافا لمعظم الملكيات العالمية، فقد قاومت عمليات الاقتحام للديمقراطية.

كلمة السلطان هي القانون التي تحكم سلطنة عمان. في عام 1970 تولى السلطان قابوس السيطرة على الدولة في الانقلاب الذي أطاح بوالده ووضع عمان على مسار نحو التحديث. وكانت رؤية قابوس في عام 1970 هو بناء دولة مطورة تدفعها عائدات النفط وإنهاء العزلة السياسية، وهي سمة كانت سمة مميزة لعقود سابقة. حقق قابوس تحديثا اقتصاديا، وقد تم تسخير قوة النفط على نحو فعال وتم ضخ العوائد المالية للنفط في السياحة، والصناعات الثقيلة، وتحسين مستويات معيشة مرتفعة لمواطني عمان. نجاح السلطان في تحديث الاقتصاد هو مسلم به ولكن هذا النجاح يضع أقنعة لتغطية الواقع السياسي لسلطنة عمان.

أنشأ السلطان قابوس الدولة في بداية 1970 باعتبارها حكما ملكيا مطلقا، ولكن خلافا لجيرانه كقطر والمملكة العربية السعودية، فلا يوجد تعديل أو تأثير من أفراد الأسرة الحاكمة، فقابوس يحكم لوحده. ولانتقاد الدولة العمانية فإن قابوس هو مستبد، الحاكم الذي يبرر حكمه من خلال التقاليد الملكية ولكن قواعد حكمه هي ديكتاتورية مثل فعل الطغاة في جميع أنحاء العالم.

يبرر النقاد خلال تقييمهم للسلطان قابوس أنه خلال فترة حكمه طوال أربعين عاما كان يحكم عمان مثل ملوك أوروبا المطلقين في العصور الوسطى. وليس فقط يحكم البلاد، بل يتحكم بالسياسة الخارجية ويحتل مناصب رفيعة في الجيش وله القول الفصل في جميع الأمور القضائية. جولاته في جميع أنحاء سلطنة عمان تذكرنا بالجولات الكبرى التي كان يقوم بها هنري الثامن، وللغرباء تكون دولة حديثة مع شعور واضح أنك في القرون الوسطى.

ولكن على عكس الأنظمة الديكتاتورية في جميع أنحاء العالم، النظام الملكي المطلق للسلطان قابوس يتلقى إدانة قليلا من زعماء العالم ويولد الجدل قليلا. وقد استثمرت دول مثل بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير، اقتصاديا وسياسيا، في استمرار نجاح واستقرار النظام قابوس. في عام 2009 وقعت الولايات المتحدة اتفاقية التجارة الحرة التي فتحت عمان إلى العالم، وفي وثيقة واحدة أنشأت شركة مع الدولة العمانية للسندات الأمريكية. وكذلك واصلت بريطانيا العظمى في نفوذها الذي أنشئ في أوج الإمبريالية البريطانية وفي عمان الحديثة يعد العسكر أكبر المستفيدين من المشورة والتمويل البريطاني. ومرة أخرى، تؤكد كل الدول سياستها المتمثلة في تحديد أولويات التعاون مع الدول في الشرق الأوسط التي تهدف التطابق مع سياستهم، ولكن مثل النجاح الاقتصادي لعمان في الخارج فإنه يغطي ويضع قناعا على الواقع السياسي لعمان.

هناك تصدعات في الدولة العمانية تثير الأسئلة حول هذا "النظام الملكي القديم". في جميع أنحاء الشرق الأوسط كان الربيع العربي له تأثير على الحكومات، وحتى في سلطنة عمان المتحكم فيها بشكل صارم، كانت هناك موجة كبيرة من الاحتجاجات السياسية التي أجبرت السلطان لمنح بعض الامتيازات الاقتصادية. ومع ذلك أثار المحتجون سؤالا كبيرا حول عمان: ما هي الخطوة المقبلة؟ قابوس لم يسمي خليفة له، وهذا ما قد يضع عمان في مسار مختلف بعد ذلك. ومع ذلك، في الوقت الراهن، فإن عمان هي أمة فيها الديمقراطية هو مفهوم لا يستخدم فيه بكثرة. في صحراء شبه الجزيرة العربية وضع السلطان قابوس نفسه كملك مطلق، كوريث للسلاطين القدماء المأخوذة من قصص الفلكلور العربي. فقد استخدم تراث هذه الملكية القديمة لتجنب التعرض والارتباط بدلالات الاستبداد وممارساته الديكتاتورية وحكمه الاستبدادي. وقد عملت هذه الممارسات بشكل جيد مع السلطان إلى الآن.

خلافا لغيرها من القيادات السلطوية في الشرق الأوسط فقابوس لم يتعرض لحملة انتقادات واسعة أو انتفاضة اجتماعية كمقياس التي أطيحت بالرئيسين مبارك ومرسي في مصر أو بالقذافي في ليبيا. بدلا من ذلك هناك وجهة نظر رومانسية تقريبا عن عمان، الدولة القديمة التي احتفظت بالتقاليد العربية. للسياح الذين يسافرون إلى عمان النظام الملكي القديم المطلق هو جزء من سحرها؛ إشارة إلى عالم علاء الدين وألف ليلة وليلة. ويمكن قول نفس الشيء عن الحكومات التي تتدفق إلى هنا. من النمسا إلى المملكة المتحدة، تم تكريم قابوس وقد تم منحه مرتبة الشرف الأولى من قبل الدول الأجنبية في جميع أنحاء العالم.

قابوس خلال منصبه كملك مطلق وليس ديكتاتورا، أضاف الشرعية على حكمه في نظر الدول الأجنبية. هذه العقلية خطيرة جدا، حيث أنها تعمي العالم من فشل الديمقراطية في بعض الدول. يجب أن نرى عمان إلى ما هي عليها، نظام استبدادي الذي يسمح فيه لتقاليد النظام الملكي القديم لتسود على مبادئ الديمقراطية. أنا لا أسعى إلى إدانة مفهوم الملكية، ولكني أعتقد أنه عندما نترك ملكية دون رادع أو مراقبة فالنتيجة هي نظام استبدادي بحت. عمان قد تكون المملكة الصحراوية الصوفية في نظر الكثيرين، ولكن الواقع السياسي لهذه الدولة يفضح أمة مليئة بالعيوب.

فيلم 2+2=5 ثورة العقل هي الأبقى


 عندما قرأت مقالة صديقي الروائي والناقد السوري هيثم حسين المنشورة في صحيفة العرب اللندنية بعنوان ((2+2=5) سبع دقائق سينمائية إيرانية أدهشت المتفرج), تملكني الشعور لمشاهدته تكرارا ومرارا,
فيلم قصير لكنه عميق جدا في الفكرة ويحكي واقعنا المؤسف بكل تجلياته وشواهده من إستبداد وديكتاتورية وتشويه للحقيقة بهدف المحافظة على السلطة وما ذلك يبدأ إلا بالسيطرة على الفكر والتحكم به وقمع أي رغبة في التفكير بحرية.
يقول هيثم حسين في وصفه الرائع للفيلم:...

((لا وجود للمنطق في عرف الطغيان والاستبداد، فكل ما في عالم الطاغية المستبد خارج عن حدود العقل والمنطق. المستبدّ يعادي كل ما ومن حوله، يرى في كل شيء مشروع ثورة عليه، لذلك فهو لا ينفك يحاول قولبة رعيته وفق رغباته المرضية.
يشكل عالم الطفولة مجالا رحبا للمستبدّ كي يعمل على تنشئة أجيال تحرص على تقديسه وتهتف بتأبيده، ويستعين بالخبراء في هذا السياق ليحكم سيطرته على التفكير ويكبّل أيّ اجتهاد ويلغيه، بل ويعاديه وينسف صاحبه حين لا يوافق على ما يرتئيه وما يفرضه.
لا يكتفي الطاغية برسم دائرة التحرّك لمحكوميه فقط، بل يفرض عليهم الحركات أيضا، ويصل الأمر به إلى قلب قواعد الرياضيات كي يوهم بأهميته وتفوقه وما يمتاز به من خوارق، وذلك باعتماد القاعدة البائسة بالكذب المتواصل حتى تصديق الكذبة، وتزييف الحقيقة.
كمثال على هذا التصرف المشين بحق الطفولة والعلم والإنسانية، يمكن الاستشهاد بالفيلم الإيراني القصير (2 + 2 = 5) الذي لا يتجاوز سبع دقائق، والذي يظهر جانبا من تشويه الطفولة بغية تكريس حكم الطغيان والجنون.))

رابط الفيلم:
https://www.youtube.com/watch?v=h0oCCtZ-QVA

عمان بين الفساد ومكافحته - مقالة منشورة في مجلة مواطن الإلكترونية

مقالة منشورة في مجلة مواطن الإلكترونية
http://www.mowatinoman.net/archives/1281

هل الأنظمة العربية تملك رغبة فعلية في محاربة الفساد والقضاء على الأسباب المؤدية له؟، وهل نجحت الأنظمة فعلا في محاربته أم أنها كانت مجرد شعارات براقة كعادة هذه الأنظمة حيث تستخدمها لتخدير العقول وتمييع الفكر وتحافظ عبرها على إستمراريتها؟.
 يلمس عدد من المتابعين في الدول العربية رغبة الأنظمة الحاكمة في محاربة الفساد ومكافحته، وقد رأينا أيضا في أحداث الربيع العربي وفي كل مطلب شعبي الرغبة بالقضاء على الفساد.
خلال العقد الأخير من القرن العشرين إتجهت دول العالم والمؤسسات الدولية إلى محاربة الفساد عبر تبني أليات علمية، وسياسات عملية لمواجهة هذه الظاهرة المدمرة التي تُفقر الدول وتُؤخر النمو الاجتماعي والإقتصادي والسياسي، وتهدد حكم القانون والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتعرّض للخطر الأسس الأخلاقية للمجتمع. أدركت عدد من دول العالم أن محاربة الفساد هو صناعة للتنمية، وهو الضمان الأمثل لقيام نهضة اقتصادية، وحاولت دول كثيرة في العالم محاربة الفساد؛ ولكن عرف بعضها نجاحا فيما فشلت جهود أغلبها في التصدي للفساد؛ وذلك – غالبا- لقيام الدول بمحاربة الفساد عبر طرق تقليدية كما يعتقد أن أغلبها كان عبر القمع والردع.
إن مهمة القضاء على الفساد ليست مستحيلة كما يتصورها الكثيرين، وكما يتم التسويق له في الأنظمة العربية على أنه موجود في كل دول العالم؛ لتبرير فشلها وإستمرارا لوضع مرغوب به. أصبح الفساد في دولنا العربية علامة بارزة، وجزءا من العادات اليومية والثقافة السائدة، وتتحمل الأنظمة الحاكمة ورموزها جزءا كبير من مسؤولية ترسبها فهم مشاركون فيها بنهب خيرات الدول، ومنح تسهيلات وإمتيازات خاصة بحكم سلطاتهم لأتباعهم وأفراد حكومتهم، مما أدى وعلى مدى طويل في إكتساب صغار الموظفين وبقية الشعب لهذه العادات، وإلصاقها بقيم مجتمعية غيرت مفاهيمها كمساعدة أو مقايضة.
لقد ساهمت أدوات الإستبداد السياسي العربي مع غياب الآليات والمراقبة والمحاسبة المستقلة وتمركز السلطات بيد فرد واحد وتحكّمه بجميع ثروات البلد والسماح لمجموعة صغيرة من أتباعه بالتحكم في إقتصاد الدولة، والذي خلق بيئة من القهر والظلم الاجتماعي، وإنعدام للعدالة والمساواة؛ مما أدى إلى تفشي الفساد والمحسوبية بشكل كبير وواضح؛ فإنتشرت جرائم الفساد وإنسابت في المجتمع العربي كما ينساب النهر في مجراه، فهناك الرشوة والهدايا من أجل منفعة خاصة والإثراء غير المشروع، وسوء إستعمال المنصب، والمتاجرة بالنفوذ وغسيل الأموال. وتكاد تصبح بعض هذه الجرائم من الأمور المسلّم بها في المجتمع، ولا ترقى حسب المفاهيم المحلية لمستوى الجريمة حتى ولو حاربها القانون.
قامت بعض الأنظمة الخليجية وعمان مثالا بعد أحداث الربيع العربي والمطالبات الشعبية بالقضاء على الفساد، ومحاولة لتدارك الأمر إلى محاسبة ومحاكمة بعض مسؤولي الحكومة من الأطراف بدون تبني إستراتيجية وطنية لذلك أو بناءا على سياسة عملية تقضي على الفساد على الأمد البعيد، ومع إستخدام الإعلام الحكومي الموجه لتلميع الصورة الحكومية محليا وخارجيا، وتصويرها على أنها جادة في مكافحة الفساد، وأيضا لإفتعال قضايا محلية بهدف إشغال الرأي العام الشعبي مما يحول دون التطرق للمطالبة بإصلاحات سياسية حقيقية.
فمسلسل الفساد لن يتوقف طالما لا توجد إرادة سياسية طويلة الأمد لمحاربته؛ وذلك بإستمالة كافة أطراف الحكومة للمشاركة في تنفيذ إستراتيجية وطنية فعالة، وقد يكون الوضع معقدا في ظل حكم قائم على الفرد الواحد ترتكز عليه جميع السلطات، فلا يمكن أن يكون هناك توافق حقيقي قائم على المشاركة الفعالة في ظل سياسة إرضاء الحاكم وعدم معارضته بدون مشاورة حقيقية.
ومن الطبيعي كخطوة من أجل محاربة الفساد أن توجد قوانين قوية بسيطة ومفهومة وواضحة وشاملة لكل جرائم الفساد التي ستساهم بشكل بديهي في مكافحته، وتجعل أفراد المجتمع على دراية بما يحفظ قيّمهم وحقوقهم، إلا أن القوانين الصارمة والمتابعة والإدانة لا يمكن أن توفر حلا  للقضاء على الفساد، فيجب أن تستقل السلطة القضائية إستقلالا تاما في ظل وجود سلطة تشريعية مستقلة تسن قوانينا تعكس قيم المجتمع في القضاء على الفساد.
فكما يرى مراقبون ومحللون إقتصاديون “أن محاكمات الفساد الحالية لا تنهي الفساد المستشري وتحاربه طالما لا توجد نية حقيقية للإصلاح السياسي والإقتصادي، وبدون إشراك المجتمع في وضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية للقضاء على الفساد ليكون داعما ومسؤولا ومتحملا في سبيل ذلك”.

بين رفض الإتحاد الخليجي والموافقة على الاتفاقية الأمنية الخليجية - مقالة منشورة في مجلة مواطن الإلكترونية

مقالة نشرت في مجلة مواطن الإلكترونية
http://www.mowatinoman.net/archives/1270

صادقت سلطنة عمان عبر مرسوم سلطاني على الإتفاقية الأمنية الخليجية، والتي أُقرت في قمة مجلس التعاون الأخيرة بالكويت، والمكونة من 20 مادة حسب ما سرب منها. ورغم تحفظ الدول الأعضاء على بنودها، ولكن الإتفاقية سربت عندما تم عرضها على المجالس التشريعية المنتخبة في الكويت والبحرين وهما الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان يجب أن يوافق مجالسها الشعبية على أي إتفاقية دولية أو إقليمية قبل توقيع الحكومة عليها.
ولنرجع إلى خلفيات هذه الإتفاقية، وإلى نشأة مجلس التعاون الخليجي بعام 1981 وما رافقها من توجهات؛ فلقد كان هناك توجها عاما لتحقيق تكامل إقتصادي وتعاون أمني بين الدول الأعضاء بالمجلس؛ فالإتفاقية الاقتصادية وقُعت وتم المصادقة عليها من قبل جميع الدول الأعضاء رغم عدم تلبيتها مطالب الشعوب وما يضمن لهم الرفاه الاقتصادي, وأما الإتفاقية الأمنية فقد واجهت معارضة كويتية من قبل الحكومة لمعارضتها الدستور الكويتي، ومبادئ حقوق الإنسان وتمت مناقشتها لمدة 13 سنة حتى تم التوقيع عليها مبدئيا بنوفمبر ،1994 وكانت إتفاقية إطارية مكونة من 45 مادة تهدف للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء.
وبعد أحداث الربيع العربي وما واجهته بعض دول الخليج من حراكات شعبية خصوصا عمان والبحرين، وتخوف دول الخليج الملكية من إنتقال المد الثوري للربيع العربي لشعوبها وظهور المد الإخواني الواضح بالخليج بعد تولي الأخوان المسلمين الحكم في مصر، باشرت الحكومات الخليجية  بالإحكام على جميع الأنشطة السياسية وملاحقة جميع النشطاء والمعارضين، وتشديد القوانين المقيدة للحريات، فظهرت رغبة مشتركة بين الأنظمة لوجود تكامل أمني يهدف إلى التعاون المشترك بين الأجهزة الأمنية الخليجية في ملاحقة النشطاء وتبادل المعلومات حولهم.
والمتابع للاتفاقية الأمنية الخليجية الحالية – والتي أبدى العديد من البرلمانيين والحقوقيين استياءهم منها لمعارضتها لمبادئ حقوق الإنسان العالمية والتي بها بنود كثيرة تقيد من حرية التنقل- يلحظ أنها تهدف إلى خنق أي حراك سياسي خليجي، كما دعى رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق أحمد السعدون في وقت سابق إلى رفض الإتفاقية الأمنية الخليجية من قبل جميع شعوب المنطقة.
وقد ذكر وزير الداخلية البحريني في وقت سابق من عام 2012 في تصريح صريح ” أن الإتفاقية الأمنية الخليجية ستحقق المصلحة المشتركة لأنظمة دول الخليج”، مما لا يدع مجالا للشك أن الاتفاقية تم رسمها وصياغتها بهدف حماية الأنظمة من أي حراكات شعبية أو مطالبات شعبية تهدف للإصلاح السياسي ورغم وجود بنود قليلة تهدف إلى تعزيز الدور الأمني المشترك وتبادل الخبرات، ولكن الإتفاقية لم توضح إذا ما كان ذلك ضد الجرائم كالمخدرات والتهريب والدخول الغير مشروع أو سيصب إلى ملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين فيما بين دول الخليج.
وتظهر المادة الرابعة من الإتفاقية التعارض الشديد مع صيانة المعلومات والسرية الشخصية للفرد عبر )تعاون كل دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى – عند الطلب – بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة او المقيمين بها، في مجال اختصاصات وزارات الداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى(.
وهناك عدة مواد غير واضحة ولا يُفهم ما هو المقصود، منها وهذا ما أدى إلى تذمر كثيرين من الاتفاقية الأمنية الخليجية, فكما يعرف أن النصوص القانونية يجب أن تكون واضحة وصريحة وخصوصا في الاتفاقيات الدولية حيث تتضمن تعريف للمفاهيم، ولكن في هذه الاتفاقية تم ترك الأمر مبهما لحاجة في نفس يعقوب, فكما هو واضح  في المادة (6) الجزء (أ) )تبادل المعلومات والخبرات التي من شأنها الإسهام في تطوير سبل منع ومكافحة الجريمة على اختلاف أشكالها وأنواعها، ” لاسيما الجريمة المنظمة عبر الوطنية المستجدة” ، وتقديم الدعم الفني في جميع الشؤون الأمنية بما يحقق التكامل المنشود(, فماذا يقصد بالجريمة عبر الوطنية المستجدة؟؟
وتعتبر المادة (10) من الإتفاقية الأمنية الخليجية هي من أخطر البنود والتي تتعارض مع بند آخر في الاتفاقية، وعلى مبادئ ووثائق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان العالمية، وتتعارض مع ما تنادي به بعض الدول الأعضاء وخصوصا السلطنة من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فالمادة تقول أنه )تعمل الدول الأطراف بشكل جماعي أو ثنائي، على تحقيق التكامل الفعلي للأجهزة الأمنية والتعاون الميداني فيما بينها، وتقديم الدعم والمساندة ـ في حالة الطلب ـ لأي دولة طرف، وفقا لظروف الدولة والدول الأطراف المطلوب منها، وذلك لمواجهة الاضطرابات الأمنية والكوارث(, فكما هو واضح من المادة أنه إذا قبلنا الدعم والتعاون خلال الكوارث فما الذي يعنيه مصطلح “الإضطرابات الأمنية” ؟  هل هي المظاهرات او المسيرات او الاجتماعات العامة او الندوات؟ وماذا يقصد بعبارة الدعم والمساندة: هل تقتصر على افراد الشرطة وقوات مكافحة الشغب أم تشمل أفراد الاستخبارات ام تتسع للقوات المسلحة “الجيش”؟!.
وتعتبر أيضا المادة (16) مادة خطيرة بحق الإنسان وتعارض جميع مبادئ حقوق الإنسان العالمية والتي ” تتيح تسليم المتهمين بين الدول” ، وقد نستغرب كيف وقعت دول كالكويت والبحرين وعُمان على الإتفاقية الأمنية الخليجية رغم وجود مواد في دساتيرها توضح أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته, وهو ما يدعو للشك حول مدى  شرعية الدساتير والعمل بها واقعا في هذه البلدان، وكونها هدف لمناورة الشعوب وإسكاتهم وتلميع الصورة الخارجية, فلا نستطيع أن نفهم كيف أن تسلم دول طرف إلى الدولة الطالبة أي فرد بمجرد أنه أُتهم في قضية، وهذا ما يفتح المجال كثيرا لملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين بمجرد انتقادهم لأي دولة طرف في الاتفاقية.
الغريب في الموضوع برمته أن سلطنة عمان عارضت وبالأمس القريب مشروعا سعوديا يهدف إلى نقل مجلس التعاون إلى إتحاد بدون كشف تفاصيل رفضها للشعب أو إتاحة الفرصة على الأقل للمجلس المنتخب (مجلس الشورى بدون صلاحيات تشريعية حقيقية) للإطلاع على مسودة مشروع الإتحاد، ومعرفة رأي الحكومة الذي دعاها لرفض المشروع، وتأتي اليوم لتصدر مرسوما يصادق على إتفاقية أمنية توضح بنودها أن الهدف هو فقط حماية الأنظمة من مطالبات شعبية مشروعة للإصلاح، وبدون أن يطلع أعضاء الشعب المنتخبين على مسودة الإتفاقية وإبداء رأيهم فيه مما يدل على عدم وجود رغبة حقيقية على الأقل من منظور قريب من قبل الأنظمة الخليجية؛ لتلبية تطلعات الشعوب الخليجية، والمشاركة بعمل إصلاحات سياسية قريبة مما يكرس الاستبداد السياسي والظلم.

سيناريوهات ما بعد السلطان قابوس - مقالة منشورة في مجلة مواطن الإلكترونية

مقالة نشرت في مجلة مواطن الإلكترونية
http://www.mowatinoman.net/archives/2084

في العلوم السياسية والتاريخ السياسي العالمي للدول، يظهر أن أصعب مرحلة تمر بها الدولة هي خلال فترة إنتقال السلطة؛ ولذلك نشأت الديمقراطية، وظهرت الدساتير التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات؛ لتؤمن هذه الفترة وتسيرها بسلاسة وضمان إنتقال آمن للسلطة دون ظهور أطماع أو حدوث صراعات بين مراكز القوى الوطنية (عسكرية أو أمنية أو دينية أو قبلية أو مناطقية أو حتى من الأسرة الحاكمة)، بهدف الوقوف في وجه مصالحهم أو الاستيلاء على السلطة.
وأبدى عدد كبير من المتابعين والمحللين السياسيين قلقا وتخوفا بالغا من إحتمالية حدوث صراع على السلطة في عمان في مرحلة ما بعد السلطان قابوس خصوصا في ظل عدم وجود آلية واضحة ودستورية وديمقراطية لإنتقال السلطة في عمان في هذه المرحلة، وما يهيئ الوضع أكثر لإحتمالية حدوث الصراع على السلطة، عدة عوامل يساهم بها النظام الحالي:
1-   تركز جميع السلطات بيد السلطان قابوس لوحده؛ فهو يملك صلاحيات مطلقة تجمع بين جميع السلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية إذ لم يرسخ مفهوم الفصل بين السلطات؛ فهل من سيخلفه سيحكم مثله -بتركز جميع السلطات- وهو ما سيكون بشكل طبيعي مطمعا للسلطان القادم؟. فربما نجح السلطان قابوس في كسب رضا الشعب العماني؛ لتوليه جميع السلطات رغم ظهور عدد كبير من المطالب بالفصل بين السلطات؛ إلا أنها قوبلت إما بالترضية الفردية أو بالقمع (العصا والجزرة)؛ فهل سيقوم السلطان القادم بتوزيع السلطات بشكل دستوري أم سيرغب طامعا في الحفاظ على جميع السلطات مما سيخلق حالة من الفوضى الأمنية ربما لن ينجح في الحفاظ عليها إلا بحمام دم أو فساد مطلق وتوزيع إمتيازات غير عادلة لبعض القوى؛ لضمان ولائها.
2-   قام الإعلام الحكومي العماني على مدار سنوات طوال بالخلط بين الوطن والسلطان قابوس وتصويرهما على أنهما فكرة واحدة، والذي ساهم بدوره في غياب المعنى الحقيقي لدولة المؤسسات، وإرتباط الدولة ومؤسساتها بفرد واحد مما سيخلق حالة من الفوضى بعد زوال الشخص.
3-    عدم وجود دستور مستفتى عليه يكون الشعب فيه مصدر السلطات، ويضمن حالة الإنتقال السلس للسلطة، ويحفظ الدولة من أطماع وصراعات الإستحواذ على السلطة من مراكز القوى الوطنية سواء أكانت عسكرية أو دينية أو قبلية أو حتى من أحد أطراف الأسرة الحاكمة.
4-    إنعدام الحريات السياسية، وعدم وجود مناخ سياسي يسمح للمشاركة السياسية حاليا، ويؤمن بالتعددية مما سيؤدي غالبا بعد مرحلة السلطان الحالي إلى حالة من القمع الشديد التي ستؤدي إلى الإنفجار وحدوث حرب أهلية فيما لو ظهرت أحزاب أو تكتلات معارضة للسلطان القادم سواء أكانت من الأسرة الحاكمة أم من قبائل أخرى، وذلك لعدم وجود دولة مؤسساتية توفر بشكل طبيعي وعيا وطنيا يحفظ الاستقرار، وحق المشاركة السياسية لجميع الأطراف دون إقصاء.
5-    عدم وجود تسامح حقيقي (مذهبي أو سياسي)؛ فالموجود حاليا هو فرض من السلطة لحالة توافق في المصالح، وليس تسامحا يقوم على مبادئ وأسس يخلق فيها الوئام والاعتراف بالاختلافات الطبيعية؛ فعدم وجود تسامح سياسي واضح للمتابعين في ما يتعلق بمركزية السلطة وعدم السماح لأي نشاط سياسي أو مدني من خارج إطار الحكومة، والتضييق على كل من يحاول أن يعبر عن رأيه مخالفا ومعارضا للحكومة وسياساتها, أما التسامح المذهبي الذي يروج له إعلاميا كثيرا فهو ليس تسامحا بالمعنى الحقيقي لمفهوم التسامح رغم عدم إقصاء الآخرين لكنه لا يتم الإعتراف بهم وجودا؛ فالسلطة الدينية التي هي جزء من الحكومة تتشكل خالصة من مذهب الحاكم فقط. ولقد تابع الكثيرون حالة السخط الظاهر من أصحاب المذاهب الأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي أو غالبا في فترة رؤية هلال العيدين, وقد حاولت الأجهزة الأمنية ذات الصلاحية المطلقة والتي لا تخضع للمراقبة والمحاسبة في إستغلال الطائفية بوضوح خلال أحداث مظاهرات 2011 والتي تمركزت غالبا في مناطق سنية, وخلال قضية الدكتور طالب المعمري عضو مجلس الشورى المنتخب، والذي حكم عليه بالسجن لمشاركته في مطالبة شعبية ضد التلوث البيئي.
6-   عدم وجود ولي عهد للحكم من الممكن أن يؤدي إلى عدم قبول الشعب بالسلطان الجديد، وإحتمالية ظهور تكتلات قبلية تطمع للحصول على مراكز في السلطة تستخدم فيها عوامل إجتماعية وإقتصادية لم ينجح النظام الحالي في حلها.
7-   حالة القطبية التي تعيشها عمان والسعودية بسبب المذهبية، أو الوساطات التي تقوم بها عمان مؤخرا من الممكن أن تشكل حالة من التهديد للإستقرار خاصة في عدم وجود وريث جاهز ومقبول به إقليميا أو دوليا.
وتأتي الحاجة للتفكير في مرحلة ما بعد السلطان قابوس؛ لأن الواضح للمتابعين أن السلطان بنفسه وعلى المستوى القريب لم يُظهر أي إشارات ورغبة جادة في إحداث إصلاحات سياسية واقتصادية، وهذا ما يفسر وجود حالة من الالتفاف والترقيع للمطالب الشعبية، وحالة التضييق الأمني المستمر لحرية التعبير والتجمع السلمي، والتشديد على القوانين الصارمة في الإجراءات الجزائية أو القوانين العمالية، وقوانين النشر والمطبوعات، ووصل الأمر مؤخرا إلى منع وتضييق على جميع المبادرات (الثقافية) المدنية التي لم تأتي تحت إطار الحكومة (بدون رعاية أو مراقبة من الأمن).
كما يقر بعض من الباحثين السياسيين أن المرحلة المقبلة في غاية التعقيد، ويجب الإستعداد لها مع إشراك الشعب مشاركة حقيقية في صناعة القرار، والإستعداد للمستقبل عبر ممارسة حقوقه السياسية وحرياته المدنية؛ ليكتسب الوعي والخبرة التي تؤهله لإدارة نفسه دون الخوف من أي ضغوطات أو حدوث صراعات، والانطلاق نحو بناء دولة مدنية حديثة تسعى نحو الحداثة والتغيير والتقدم؛ لتؤمن إزدهارا ورفاه إجتماعيا وإقتصاديا لجميع أطياف المجتمع.
 

الطائفية وتجذرها في العقول المقيدة


إن المتمعن والمتابع للقضايا السياسية والحقوقية المحلية والإقليمية يجد بصورة لا تدعو للشك تعشعش للطائفية في العقول والتعصب حاضرا في الدفاع عن متبعي المذهب إذا تعرض لإنتهاك حقوقي أو لظلم سياسي ولو إدعوا غير ذلك وهذا ظاهر جدا من خلال المتابعة,
حيث أن "أغلب" السنة إنبروا دفاعا عن إعتقال العريفي وما يتكرر من ظلم سياسي للأخوان في مصر ولكنهم مع إعدام الشيعة ومع أفعال داعش الإجرامية ومع الثورة السورية وضد الثورة البحرينية والحراك الشيعي عموما ولو كان من أجل المطالبة بحقوقه ومع ذلك يد...
عون بأنهم إنسانيون ومتسامحين,
وأيضا مع "غالبية" الشيعة حيث أنهم إنتفضوا ضد الحكم الصادر بإعدام النمر في السعودية وضد الأحكام الصادرة ضد البحريني نبيل رجب أو أي شيعي محتجز ولكنهم مع إجهاض الثورة السورية وقتل السنة هناك وفي العراق وسوريا هم مجاهدين لا يختلفون تماما عن المجاهدين السنة ومع إعتقال العريفي ومع ما يحدث ضد الأخوان المسلمين في مصر ومع ذلك يدعون بأنهم إنسانيون ومتسامحين,
حتى هنا في عمان فنحن لسنا بحال أفضل من غيرنا بما يخص الشيعة والسنة والإباضية "كأغلب", حيث أن الدكتور طالب المعمري ولأنه سني فقلما تجد من المذاهب الأخرى من يطالب بالعدالة له وهذا واضح جليا.
الظلم والقهر لا مذهب لهما والسعودية ليست بنظام الذي يرعى السنة وليست إيران بالنظام الذي يرعى الشيعة لكي ننقاد معصبي العينين لهم ولا للعلماء فالله منحنا عقلا لنفكر به ونحدد إختياراتنا بأنفسنا وإلا نزلنا من مرتبة الإنسانية إلى ما دونها,
فعلا أن الطائفية معشعشة في العقل العربي اللاواعي ولو إدعى عكس ذلك حيث يتضح ذلك في ردود الأفعال وإتباعا بشكل أعمى لعلماء المذهب أو للسلطة إذا كانت من المذهب نفسه ولو كانت على خطأ والكل يدعي أنه متسامح وغير متعصب,
الازدواجية في الحكم على الأحداث توضح ذلك, حيث أن الشيعة كانوا مع الحوثيين ولو أنهم على خطأ والسنة ضد الحوثيين ولو أنتهكت حقوقهم وهذا ينطبق على الأحداث في العراق وسوريا والبحرين.
نشتكي جميعا في الشرق الأوسط (السعودية وعمان والبحرين وإيران وسوريا والعراق ومصر وغيرها) من فساد وإستبداد السلطات مدعومة بقوى الإستبداد الاجتماعية والقبلية والدينية والعسكر والأمن ومحتكري التجارة ومثقفي السلطةوأبواقها ومنتفعيها, هل رأيتم فالظلم لا يعرف المذاهب أو الدين بل يعرف كيف يستغل العقول المقيدة والتي تهوى التقديس والإتباع الأعمى؟
قولوا للخطأ خطأ وعودوا لإنسانيتكم