في الأسابيع الأخيرة من هذا العام المليء بإيجابياته وسلبياته لاحظ العديد من المراقبين والباحثين وجود فرق شاسع بين إهتمامات الشعوب في إستخدامهم لهاشتاقات التويتر توضح رغبات الشعوب وتفكيرها إما للمستقبل المقبل أو للماضي المنصرم، إما لمناقشة فكرة إنسانية للتطور والتقدم أو النقاش حول رموز وتابوهات وأشخاص، أحاول هنا أن أضع قرائتي حول أهم هاشتاقين عالميين إنتشرا مؤخرا، وبين الصورة العمانية بشكل عام:
1- لعدة أيام كان هاشتاق #CIA_Report هو المتصدر عالميا وذلك لمشاركة الأمريكيين والكثير من مستخدمي تويتر حول العالم فيه بصورة ضخمة للنقاش حول تقرير وكالة الاستخبارات الاميركية بشأن التعذيب وعند متابعتك للهاشتاق تجد الموضوعية والعمق في التفكير كصورة غالبة حيث أنهم في البداية يراجعون وينتقدون أنفسهم ومؤسساتهم، ثم ماذا من الممكن عمله في سبيل التغيير بكل شفافية وصراحة ودون الإهتمام بوجود أشخاص لا يمسون بل كانوا يناقشون فكرة الحرية والديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان، طبعا الموضوع ما زال مثار عالميا وبدأت آثاره تنتقل لعدة دول أخری، علی الأقل هنا في بريطانيا سيتم إستجواب وزيرة الداخلية ورئيس الإستخبارات MI6 في البرلمان بشأن مشاركتهم في ذلك وهذا يبين بشكل فعلي رغبة تلك الشعوب في الحفاظ علی قيمها الديمقراطية والدفاع بقوة عن فكرة الحرية والدولة المدنية.
2- يتصدر التريند العالمي في هذه الأيام هاشتاق #illridewithyou وترجع قصته كما تعلمون بعد عملية إحتجاز رهائن في سيدني بواسطة شخص مسلم ينتمي لداعش، خاف العديد من المسلمون الخروج إﻻ أن هناك قصة عن إمرأة مسلمة نزعت حجابها وهي في القطار خوفا من أن تتلقی معاملة سيئة من قبل الأستراليين البيض ولكن حدث العكس حيث وقف العديد من الأستراليون وقفة إنسانية رائعة جدا وأطلقوا حملة ضخمة في مواقع التواصل الإجتماعي لمساعدة المسلمين والوقوف معهم وأنهم بشر لهم ديانتهم ومعتقداتهم الخاصة مثل الآخرين بينهم الخيرون والسيئون، تفاعل معهم الكثيرون حول العالم في رابط إنساني خالص يوضح للمتابع بصورة كبيرة رغبة المشاركون في التواصل الإنساني وليس في القوقعة بين جدران الماضي والدين والعرق والوطنية بل في مد جسور مبنية علی ثوابت ومبادئ من التسامح بجميع أشكاله وقبول الآخر مهما إختلفوا معه ترتقي خلالها الإنسانية وتزدهر المجتمعات عبرها.
3- عندما نرجع لهاشتاقات عمان فعذرا لا يمكن أن تفهم شيئا عن ماهية الهدف الفكري الحقيقي كصورة عامة بل للأسف نقاشات سطحية كأغلب بصورة أدبية راقية وربما يعود ذلك إلی غياب الشفافية أولا ثم إلی صغر مساحة الحرية المسموح بها في عمان خوفا من القمع الأمني وهناك أيضا مشكلات المجتمع الفكرية المتمثلة في تقديس الرموز والتبعية العمياء وثقافة الإقصاء وعدم الترحيب بالنقد بشكل عام ورغم أن هناك عدة إشارات إيجابية لتفاعل الناس إفتراضيا في تلك المساحة الصغيرة جدا وهذا ما جعلت الحكومة تأمر بعض موظفيها بصورة قانونية أو دينية لزرع الكراهية والخوف في الناس من مواقع التواصل الإجتماعي،
يدور في عمان حاليا النقاش حول قضية مظاهر التاجر الذي قال أنه سينشر وثائق تثبت فساد رئيس المحكمة العليا ورئيس الإدعاء العام وأخوه رئيس جهاز الأمن الداخلي (لم تنشر حسب ما وصلني للآن) ولكن الرجل نشر صورا شخصية له مع هؤﻻء الثلاثة وهذا يؤكد علاقته القوية سابقا بهم، وفي ظل غياب الشفافية وتقييد حرية الإعلام ووعدم وجود سلطات مفصولة وبرلمان شعبي حقيقي فإن التكهنات والإشاعات هي فقط التي ستنتشر، لكن كمتابع فإني معجب بأسلوب وطريقة مظاهر التاجر في سلب عقول وقلوب الجماهير في وقت حساس جدا خصوصا بعد تذمر العمانيين من تصريحات وزير الشؤون المالية درويش البلوشي من آثار إنخفاض أسعار النفط, بغض النظر عن قضية مظاهر الشخصية ودوافعه ومن يقف معه والتساؤلات الكثيرة المطروحة حوله لكن يجب علينا الاعتراف بأن مظاهر نجح في لفت أنظار العالم وليس عمان فقط عن وجود فساد في أعلى المستويات بطريقة سيكولوجية وإستراتيجية دقيقة مثل ما شرح جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير عن التوجيه العاطفي لأغلب الجماهير ,وساهم أيضا في رفع منسوب النقد لدى معظم المواطنين بشكل كبير.
قلة من تنكر في عمان عن وجود الفساد الإداري والمالي الذي ينخر أوصال الدولة بكاملها وأصبحت عادة شعبية رغم تظاهرهم بالعكس أحيانا وتناقضاتهم عند رفع منسوب الوطنية وإدعائتهم بالنهضة المباركة وأن عمان قطعت شوطا كبيرا في جميع المجالات إلا أن تقارير الفساد ليست جديدة فالوثائق البريطانية السرية كشفت أنه مع بداية السبعينات كان هناك فسادا حكوميا كبيرا وأن هناك إتجاه من قبل السلطان لإعطاء مزايا خاصة (الإحتكار)، ومع نهاية السبعينات نشرت صحيفة الفايناشنال تايمز تقريرا عن الإقتصاد العماني وذكرت مشكلة التزاوج بين الوظيفة الحكومية والمؤسسة الخاصة من كبار المسؤولين إلی صغار الموظفين في الحكومة وحذرت فيه كثيرا من ذلك وأعطت توصيات كثيرة لم تنفذ منذ السبعينات ولا واحدة إلی الآن (روج علی أساس أنها تهدف لتدمير إقتصاد البلد).
ونذكر جميعا تصريح رئيس جهاز الرقابة السابق بأنه لا يوجد فساد في عمان ورغم ذلك تم تكريمه من أعلی سلطة في عمان، ونتذكر قريبا في عام 2011 عندما كشفت وثائق تدين المفتش العام للشرطة السابق والذي تم إستبداله بعد تكريمه من قمة السلطة وعدة وزراء سابقين, وجميعنا يعلم بإرتفاع مستوی البطالة ومشكلة زيادة الإنفاق العسكري والحكومي ومشكلة التعليم الموجه وغيرها لذلك علينا التوقف وطرح التساؤلات بشكل عميق ونحدد ماذا نريد وأين نود أن نصل؟
علينا أن نتعلم فالفساد والتغيير لن يحل بتغيير الأشخاص بل يجب أن نناقش الفكرة ونرفع الخطوط الحمراء قليلا ونضع مسارا ينقلنا فيه إلی مصاف الدول المتقدمة كمنتجين ومبدعين وليس كمستهلكين ومقلدين بدون التعرض لقلاقل يكون الأغلب السبب فيها دون أن يشعر حيث أن أفضل وسيلة لضمان الأمن والأمان والإستقرار الدائم هو إحترام حقوق الإنسان وتقبل التعددية وعدالة الفرص وحماية القانون للفرد ضد أي تعدي تمس حريته الشخصية, وقد ذكرت في مقالة قديمة عن مكافحة الفساد في عمان أن مسلسل الفساد لن يتوقف طالما لا توجد إرادة سياسية طويلة الأمد لمحاربته؛ وذلك بإستمالة كافة أطراف الحكومة للمشاركة في تنفيذ إستراتيجية وطنية فعالة، وقد يكون الوضع معقدا في ظل حكم قائم على الفرد الواحد ترتكز عليه جميع السلطات، فلا يمكن أن يكون هناك توافق حقيقي قائم على المشاركة الفعالة في ظل سياسة إرضاء الحاكم وعدم معارضته بدون مشاورة حقيقية وتحكم كامل لوحده بالسلطات.
ومن الطبيعي كخطوة من أجل محاربة الفساد أن توجد قوانين قوية بسيطة ومفهومة وواضحة وشاملة لكل جرائم الفساد التي ستساهم بشكل بديهي في مكافحته، وتجعل أفراد المجتمع على دراية بما يحفظ قيّمهم وحقوقهم، إلا أن القوانين الصارمة والمتابعة والإدانة لا يمكن أن توفر حلا للقضاء على الفساد، فيجب أن تستقل السلطة القضائية إستقلالا تاما في ظل وجود سلطة تشريعية مستقلة تسن قوانينا تعكس رغبة المجتمع في القضاء على الفساد.
No comments:
Post a Comment